المدينة المنورة : واحة السكينة ومهوى القلوب

حين تطأ قدماك أرض المدينة المنورة، تشعر وكأنك دخلت إلى واحة من السكينة والطمأنينة، حيث تمتزج الروحانية بهدوء الحياة، فتشعر أن هذه الأرض ليست كبقية المدن، بل هي دار أمان وسكون. هنا، في مدينة النبي صلى الله عليه وسلم، ينبض القلب بخشوع، وتنساب النفس في نهر من الطمأنينة، كأنما تعانق الرحمة المتجسدة في هذه البقعة المباركة.
إن المدينة المنورة ليست مجرد مكان، بل هي شعور، حالة وجدانية خاصة لا يدركها إلا من عاش فيها، أو زارها بروح متأملة. فهي تحتضن المسجد النبوي الشريف، حيث يرقد سيد الخلق، محمد صلى الله عليه وسلم، فتغدو الأرواح قريبة منه، تستشعر دفء الجوار وبركة المكان. وما أروع أن تعيش حيث عاش، وتخطو على أثرها، وتستنشق عبق سيرته العطرة في كل زاوية من زوايا المدينة!


في هذه الأرض المباركة، ينبض المسجد النبوي بذكر الله، وتتنزل السكينة على القلوب الذاكرة، فتشعر الأرواح بالقرب من نبيها، وكأن صدى كلماته الشريفة لا يزال يملأ أرجاء المدينة. كيف لا يجد فيها الإنسان راحةً وطمأنينة، وقد قال فيها النبي صلى الله عليه، وسلم "المدينةُ خيرٌ لهم لو كانوا يعلمون، لا يَدَعُها أحدٌ رغبةً عنها إلا أبدل اللهُ فيه مَن هو خيرٌ منه، ولا يَثبتُ أحدٌ على لأوائِها وجهدِها إلا كنتُ له شفيعًا أو شهيدًا يومَ القيامةِ" (رواه مسلم. أن العيش في المدينة ليس مجرد إقامة في مكان مقدس، بل هو مجاورة لخير خلق الله، واستشعار لقربه في كل لحظة، مما يجعل النفوس أكثر تعلقًا بالصلاة والعبادة، وأكثر حرصًا على اتباع سنته صلى الله عليه وسلم
أهل المدينة المنورة يحملون في قلوبهم أثر هذا الجوار المبارك، فتجدهم مسالمين، بسطاء، كرماء، يتعاملون مع زائريهم بلين ورحمة، كأنهم امتداد لذلك النور الذي أضاء المدينة منذ أن هاجر إليها رسول الله صلى الله عليه وسلم. فلا غرابة أن تكون السكينة عنوانًا لحياتهم، والرضا سمتهم، فهم يعيشون في رحاب مسجد يجمع أرواح المسلمين من كل بقاع الأرض، يشهدون الصلاة خلف إمامه، ويأنسون بقرب نبيهم في كل لحظة.
إن السكينة في المدينة ليست مجرد إحساس لحظي، بل هي حالة مستمرة، تترسخ في النفوس، وتنعكس على حياة سكانها وزوارها. فهي مدينة تعلو فيها الهمم، وتتجلى فيها أسمى معاني الحب للنبي الكريم، فتدفع الإنسان ليكون أقرب إلى الخير، وأكثر تعلقًا بالطاعات، وأشد حرصًا على الاقتداء بسيرة المصطفى صلى الله عليه وسلم.
المدينة ليست فقط موطن السكينة، بل هي أرض ترفع الهمم وتزكي النفوس، فمن عاش فيها، أدرك أن الجوار النبوي مسؤولية عظيمة، وأن هذه الأرض المباركة تلهم أهلها وزائريها حب الطاعة، وتدفعهم للتمسك بالخير، وتجعلهم أكثر قربًا من روح الإسلام الحقيقية. حتى إن النبي -صلى الله عليه وسلم- وصفها بأنها لا تحتمل النفاق، فقال "المدينةُ كالكِيرِ تَنْفِي خَبَثَهَا، وَيَنْصَعُ طَيِّبُهَا" (رواه البخاري)، فهي أرض طاهرة، لا يسكنها إلا من كان قلبه عامرًا بالإيمان، ولا يثبت فيها إلا الصادقون.


في رحاب المدينة المنورة، يدرك المرء نعمة الطمأنينة الحقيقية، ويشعر بمعنى القرب من الله، فكل شيء فيها يدعو للتأمل، وكل زاوية تحكي قصة من سير الصحابة والتابعين. إنها مدينة تلامس فيها الروح السماء، وتحلق في فضاء الإيمان، فتدرك أن السلام الداخلي ليس حلمًا، بل هو حقيقة متجسدة في هذه البقعة المباركة.